الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
يبدل فيه الآخر من الأول ويجرى على الاسم فالبدل أن تقول: ضرب عبد الله ظهره وبطنه وضرب زيد الظهر والبطن وقلب عمرو ظهره وبطنه ومطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل. ون شئت كان على الاسم بمنزلة أجمعين توكيدا. وإن شئت نصبت تقول: ضرب زيد الظهر والبطن ومطرنا السهل والجبل وقلب زيد ظهره وبطنه. فالمعنى أنهم مطروا في السهل والجبل وقلب على الظهر والبطن. ولكنهم أجازوا هذا كما أجازوا " قولهم ": دخلت البيت وإنما معناه دخلت في البيت. والعامل فيه الفعل وليس المنتصب ههنا بمنزلة الظرف لأنك لو قلت: " قلب " هو ظهره وبطنه وأنت تعني على ظهره لم يجز. ولم يجيزوه في غير السهل والجبل والظهر والبطن كما لم يجز دخلت عبد الله فجاز هذا في هذا وحده كما لم يجز حذف حرف الجر إلا في الأماكن في مثل: دخلت البيت. واختصت بهذا كما أن لدن مع غدوة لها حال ليست في غيرها من الأسماء وكما أن عسى لها في قولهم: " عسى الغوير أبؤساً " حال لا تكون في سائر الأشياء. ونظير هذا أيضاً في أنهم حذفوا حرف الجر ليس إلا قولهم: نبئت زيداً قال ذاك إنما يريد عن زيد إلا أن معنى الأول معنى الأماكن. وإن شئت رفعت على البدل وعلى أن تصيره بمنزلة أجمعين تأكيداً. فإن قلت: ضرب زيد اليد والرجل جاز " على " أن يكون بدلا وأن يكون توكيدا. وإن نصبته لم يحسن لأن الفعل إنما أنفذ في هذه الأسماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفت منه حرف الجر إلا أن تسمع العرب تقول في غيره وقد سمعناهم يقولون: مطرتهم ظهراً وبطناً. وتقول: مطر قومك الليل والنهار على الظرف وعلى الوجه الآخر. وإن شئت رفعته على سعة الكلام كما قال: صيد عليه الليل والنهار وهو نهاره صائم وليله قائم وكما قال جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم فكأنه في كل هذا جعل الليل بعض الاسم. وقال آخر: أما النهار ففي قيد وسلسلة والليل في قعر منحوت من الساج فكأنه جعل النهار في قيد والليل في بطن منحوت أو جعله الاسم أو بعضه. وإن شئت قلت: ضرب عبد الله ظهره ومطر قومك سهلهم على قولك: رأيت القوم أكثرهم ورأيت عمراً شخصه كما قال: فكأنه لهق السراة كأنه ما حاجبيه معين بسواد " يريد: كأن حاجبيه فأبدل حاجبيه من الهاء التي في كأنه وما زائدة ". ملك الخورنق والسدير وداته ما بين حمير أهلها وأوال " يريد: ما بين أهل حمير فأبدل الأهل من حمير ". ومثل ذلك قولهم: صرفت وجوهها أولها. و " مثله ": ما لي بهم علم أمرهم. وأما قول جرير: مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلا كلاً وصدورا فإنما هو على قوله: ذهب قدماً وذهب أخراً. وقال عمرو بن عمار النهدي: طويل متل العنق أشرف كاهلاً أشق رحيب الجوف معتدل الجرم كأنه قال: ذهب صعداً فإنما خبر أن الذهاب كان على هذه الحال. ومثله: " قول رجل من عمان ": إذا أكلت سمكاً وفرضاً ذهبت طولاً وذهبت عرضا فإنما شبه هذا الضرب من المصادر. وليس هذا مثل قول عامر بن الطفيل: فلأبغينكم قناً وعوارضاً ولأقبلن الخيل لابة ضرغد لأن قناً وعوارض مكانان وإنما يريد: بقناً وعوارض ولكن الشاعر شبهه بدخلت البيت وقلب زيد الظهر والبطن. " الذي " جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى فإذا أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل كان نكرة منوناً وذلك قولك: هذا ضارب زيداً غداً. فمعنا وعمله مثل هذا يضرب زيداً " غداً ". فإذا حدثت عن فعل في حين وقوعه غير منقطع كان كذلك. وتقول: هذا ضارب عبد الله الساعة فمعناه وعمله مثل " هذا " يضرب زيداً الساعة. وكان " زيد " ضارباً أباك فإنما تحدث أيضاً عن اتصال فعل في حال وقوعه. وكان موافقاً زيداً فمعناه وعمله كقولك: كان يضرب أباك ويوافق زيداً. فهذا جرى مجرى الفعل المضارع في العمل والمعنى منوناً. ومما جاء في الشعر: منوناً " من هذا الباب قوله ": إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي وقال " عمر " بن أبي ربيعة: وقال زهير: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقاً شيئاً إذا كان جائيا وقال الأخوص الرياحي: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعباً إلا ببين غرابها واعلم أن العرب يستخفون فيحذفون التنوين والنون ولا يتغير من المعنى ولا يجعله معرفة. فمن ذلك " قوله عز وجل ": " كل نفس ذائقة الموت " و " إنا مرسلو الناقة " و " لو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم " و " غير محلى الصيد ". فالمعنى معنى " ولا آمين البيت الحرام ". " و " يزيد هذا عندك بياناً قوله تعالى جده: " هدياً بالغ الكعبة " و " عارض ممطرنا ". فلو لم يكن هذا في معنى النكرة والتنوين لم توصف به النكرة. وستراه مفصلاً أيضاً في بابه مع غير هذا من الحجج إن شاء الله. وقال الخليل: هو كائن أخيك على الاستخفاف والمعنى: هو كائن أخاك. ومما جاء في الشعر غير منون قول الفرزدق: أتاني على القعساء عادل وطبه برجلي لئيم واست عبد تعادله يريد: عادلاً وطبه. وقال الزبرقان بن بدر: وقال السليك بن السلكة: تراها من يبيس الماء شهباً مخالظ درة منها غرار " يريد: عرف الخيل ". ومما يزيد هذا الباب إيضاحاً " أنه " على معنى المنون قول النابغة: احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد " فوصف به النكرة ". وقال المرار الأسدي: سل الهموم بكل معطي رأسه ناج مخالط صهبة متعيس فهو على المعنى لا على الأصل والأصل التنوين لأن هذا الموضع لا يقع فيه معرفة. ولو كان الأصل ههنا ترك التنوين لما دخله التنوين ولا كان ذلك نكرة وذلك أنه لا يجري مجرى المضارع فيما ذكرت لك. وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت " لأبي الأسود الدؤلي ": فألفيته غير مستعب ولا ذاكر الله إلا قليلا لم يحذف التنوين استخفافاً ليعاقب المجرور ولكنه حذفه لالتقاء الساكنين " كما قال: رمى القوم ". وهذا اضطرار وهو مشبه بذلك الذي ذكرت " لك ". وتقول في هذا الباب: هذا ضارب زيد وعمرو إذا أشركت بين الآخر والأول في الجار لأنه ليس في العربية شيء يعمل في حرف فيمتنع أن يشرك بينه وبين مثله. وإن شئت نصبت على المعنى وتضمر له ناصباً فتقول: هذا ضارب زيد وعمراً كأنه قال: ويضرب عمراً أو وضارب عمراً. ومما جاء على المعنى قول جرير: جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار وقال كعب بن جعيل " التغلبي ": أعني بخوار العنان تخاله إذا راح يردى بالمدجج أحردا وأبيض مصقول السطام مهنداً وذا حلق من نسج داود مسردا فحمله على المعنى كأنه قال: وأعطني أبيض مصقول السطام وقال: هات مثل أسرة منظور " بن سيار ". والنصب في الأول أقوى وأحسن لأنك أدخلت الجر على الحرف الناصب ولم تجيء ههنا إلا بما أصله الجر ولم تدخله على ناصب ولا رافع. وهو على ذلك عربي جيد. والجر أجود. وقال " رجل من قيس عيلان ": وزعم عيسى أنهم ينشدون هذا البيت: هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق فإذا أخبر أن الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين البتة لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب فكل واحد منهما داخل على صاحبه فلما أراد سوى ذلك المعنى جرى مجرى الأسماء التي من غير ذلك الفعل لأنه إنما شبه بما ضارعه من الفعل كما شبه به في الإعراب. وذلك قولك: هذا ضارب عبد الله وأخيه. وجه الكلام وحده الجر لأنه ليس موضعاً للتنوين. وكذلك قولك: هذا ضارب زيد فيها وأخيه وهذا قاتل عمرو أمس وعبد الله وهذا ضارب عبد الله ضرباً شديداً وعمرو. ولو قلت: هذا ضارب عبد الله وزيداً جاز على إضمار فعل أي وضرب زيداً. وإنما جاز هذا الإضمار لأن معنى الحديث في قولك هذا ضارب زيد: هذا ضرب زيداً وإن كان لا يعمل عمله فحمل على المعنى كما قال جل ثناؤه: " ولحم طير مما يشتهون. وحور عين " لما كان المعنى في الحديث على قوله: لهم فيها حمله على شيء لا ينقض الأول في المعنى. وقد قرأه الحسن. ومثله قول الشاعر: يهدي الخميس نجاداً في مطالعها إما المصاع وإما ضربة رغب ومثله قول كعب بن زهير: فلم يجد إلا مناخ مطية تجافى بها زور نبيل وكلكل ومفحصها عنها الحصى بجرانها ومثنى نواج لم يخنهن مفصل ومسر ظماء واترتهن بعدما مضت هجعة من آخر الليل ذبل كأنه قال: وثم سمر " ظماء ". وقال: بادت وغير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء ومشجج أما سواء قذاله فبدا وغير ساره المعزاء لأن قوله " إلا رواكد " هي في معنى الحديث: بها رواكد فحمله على شيء لو كان عليه الأول لن ينقض الحديث. والجر في هذا أقوى يعني هذا ضارب زيد وعمرو وعمراً بالنصب. وقد فعل لأنه اسم وإن كان قد جرى مجرى الفعل بعينه. والنصب في الفصل أقوى إذا قلت: هذا ضارب زيد فيها وعمراً وكلما طال الكلام كان أقوى وذلك أنك لا تفصل بين الجار وبين ما يعمل فيه فكذلك صار هذا أقوى. فمن ذلك قوله جل ثناؤه: " وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ". وكذلك إن جئت باسم الفاعل الذي تعدى فعله إلى مفعولين وذلك قولك: هذا معطى زيد درهما وعمرو إذا لم تجره على الدرهم والنصب على ما نصبت عليه ما قبله. وتقول: هذا معطى زيد وعبد الله. والنصب إذا ذكرت الدرهم أقوى لأنك " قد " فصلت بينهما. وإن لم ترد بالاسم الذي يتعدى فعله إلى مفعولين أن يكون الفعل قد وقع أجريته مجرى الفعل الذي يتعدى إلى مفعول في التنوين وترك التنوين وأنت تريد معناه و " في " النصب والجر وجميع أحواله فإذا نونت فقلت: هذا معط زيداً درهماً لا تبالي أيهما قدمت لأنه يعمل عمل الفعل. وإن لم تنون لم يجز هذا معطي درهماً زيد لأنك لا تفصل بين الجار والمجرور لأنه داخل في الاسم فإذا نونت انفصل كانفصاله في الفعل. فلا يجوز إلا " في قوله " هذا معطى زيداً كما قال تعالى جده: " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ". باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين في اللفظ لا في المعنى وذلك قولك: يا سارق الليل أهل الدار " و " تقول على هذا الحد: سرقت الليل أهل الدار فتجري الليلة على الفعل في سعة الكلام كما قال: صيد عليه يومان وولد له ستون عاماً. فاللفظ يجري على قوله: هذا معطى زيد درهماً والمعنى إنما هو في الليلة وصيد عليه في اليومين غير أنهم أوقعوا الفعل عليه لسعة الكلام. وكذلك لو قلت: هذا مخرج اليوم الدرهم وصائد اليوم الوحش. ومثل ما أجري مجرى هذا في سعة الكلام والاستخفاف قوله عز وجل: " بل مكر الليل والنهار ". فالليل والنهار لا يمكران ولكن المكر فيهما. فإن نونت فقلت: يا سارقاً الليلة أهل الدار كان حد الكلام أن يكون أهل الدار على سارق منصوباً ويكون الليلة ظرفاً لأن هذا موضع انفصال. وإن شئت أجريته على الفعل على سعة الكلام. ولا يجوز: يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور. فإذا كان منوناً فهو بمنزلة الفعل الناصب تكون الأسماء فيه منفصلة. قال الشاعر وهو الشماخ: رب ابن عم لسليمى مشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل " هذا على: يا سارق الليلة أهل الدار ". وقال الأخطل: وكرار خلف المحجرين وجواده إذا لم يحام دون أنثى حليلها فإن قلت: كرار وطباخ صار بمنزلة طبخت وكررت تجريها مجرى السارق حين نونت على سعة الكلام. وقال " رجل من بني عامر ": ويوم شهدناه سليماً وعامراً قليل سوى الطعن النهال نوافله " وكما قال: ثماني حجج حججتهن بيت الله ". ومما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة. لما رأت ساتسدما استعبرت لله در اليوم من لامها وقال أبو حية النميري: كما خط الكتاب بكف يوماً يهودي يقارب أو يزيل وهذا لا يكون فيه إلا هذا لأنه ليس في معنى فعل ولا اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل. ومما جاء مفصولاً بينه وبين المجرور قول الأعشى: ولا نقاتل بالعص - ي ولا نرامي بالحجاره إلا علالة أو بدا - هة قارح نهد الجزاره وقال ذو الرمة: فهذا قبيح. ويجوز في الشعر على هذا: مررت بخير وأفضل من ثم. وقالت درنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة: هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوماً نبوة فدعاهما وقال الفرزدق: يا من رأى عارضاً أسر به بين ذراعي وجبهة الأسد وأما قوله عز وجل: " فبما نقضهم ميثاقهم " فإنما جاء لأنه ليس ل " ما " معنى سوى ما كان قبل أن تجيء إلا التوكيد فمن ثم جاء ذلك إذ لم ترد به أكثر من هذا وكانا حرفين أحدهما في الآخر عامل. ولو كان اسماً أو ظرفاً أو فعلاً لم يجز. وأما قوله: أدخل فوه الحجر فهذا جرى على سعة الكلام " والجيد أدخل فاه الحجر " وكما قال: أدخلت في رأسي القلنسوة " والجيد أدخلت في القلنسوة رأسي ". وليس مثل اليوم والليلة لأنهما ظرفان فهو مخالف له في هذا موافق " له " في السعة. قال الشاعر: ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع فوجه الكلام فيه هذا كراهية الانفصال. وذلك قولك: هذا الضارب زيداً فصار في معنى " هذا " الذي ضرب زيداً وعمل عمله لأن الألف واللام منعتا الإضافة وصارتا بمنزلة التنوين. وكذلك: هذا الضارب الرجل وهو وجه الكلام. وقد قال قوم من العرب ترضى عربيتهم: هذا الضارب الرجل شبهوه بالحسن الوجه وإن كان ليس مثله في المعنى ولا في أحواله إلا أنه اسم وقد يجر كما يجر وينصب أيضاً كما ينصب وسيبين ذلك في بابه " إن شاء الله ". وقد يشبهون الشيء بالشيء وليس مثله في جميع أحواله وسترى ذلك في كلامهم كثيراً. وقال المرار الأسدي: أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعا سمعناه ممن يرويه عن العبر وأجرى بشراً على مجرى المجرور لأنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين. ومثل ذلك في الإجراء على ما قبله: هو الضارب زيداً والرجل لا يكون فيه إلا النصب لأنه عمل فيهما عمل المنون ولا يكون: هو الضارب عمرو كما لا يكون: هو الحسن وجه. ومن قال: هذا الضارب الرجل قال: هو الضارب الرجل وعبد الله. ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول الأعشى: الواهب المائة الهجان وعبدها عوذاً تزجى بينها أطفالها وإذا ثنيت أو جمعت فأثبت النون قلت: هذان الضاربان زيداً وهؤلاء الضاربون الرجل لا يكون فيه غير هذا لأن النون ثابتة. ومثل ذلك قوله عز وجل: " والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ". وقال ابن مقبل: يا عين بكي حنيفاً رأس حيهم الكاسرين القنا في عورة الدبر فإن كففت النون جررت وصار الاسم داخلاً في الجار " و " بدلاً من النون لأن النون لا تعاقب الألف واللام ولم تدخل على الاسم بعد أن ثبتت فيه الألف واللام لأنه لا يكون واحداً معروفاً ثم يثنى فالتنوين قبل الألف واللام لأن المعرفة بعد النكرة فالنون مكفوفة والمعنى معنى ثبات النون كما كان ذلك في الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع وذلك قولك: هما الضارب زيد والضاربو عمرو. أسيد ذو خريطة نهاراً من المتلقطي قرد القمام وقال رجل من بني ضبة: الفراجي باب الأمير المبهم وقال رجل من الأنصار: الحافظو عورة العشيرة لا يأتيهم من ورائنا نطف لم يحذف النون للإضافة ولا ليعاقب الاسم النون ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين حيث طال الكلام وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر. وقال الأخطل: أبني كليب إن عمي اللذا سلبا الملوك وفككا الأغلالا لأن معناه " معنى " الذين فعلوا وهو مع المفعول بمنزلة اسم مفرد لم يعمل في شيء كما أن الذين فعلوا مع صلته بمنزلة اسم. وقال أشهب بن رميلة: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القول كل القوم يا أم خالد وإذا قلت: هم الضاربوك وهما الضارباك فالوجه فيه الجر لأنك إذا كففت النون من هذه الأسماء في المظر كان الوجه الجر إلا في قول من قال: " الحافظو عورة العشيرة ". ولا يكون في قولهم: هم ضاربوك أن تكون الكف في موضع النصب لأنك لو كففت النون في الإظهار لم يكن إلا جراً ولا يجوز في الإظهار: هم ضاربوا زيداً لأنها ليست في معنى الذي " لأنها " ليست فيها الألف واللام كما كانت في الذي. واعلم أن حذف النون والتنوين لازم مع علامة المضمر غير المنفصل لأنه لا يتكلم به مفرداً حتى يكون متصلاً بفعل قبله أو باسم فيه ضمير فصار كأنه النون والتنوين في الاسم لأنهما لا يكونان إلا زوائد ولا يكونان إلا في أواخر الحروف. والمظهر وإن كان يعاقب النون والتنوين فإنه ليس كعلامة المضمر المتصل لأنه اسم ينفصل ويبتدأ وليس كعلامة الإضمار لأنها في اللفظ كالنون والتنوين فهي أقرب إليها من المظهر اجتمع فيها هذا والمعاقبة. وقد جاء في الشعر وزعموا أنه مصنوع: هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما وقال: ولم يرتفق والناس محتضرونه جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع وذلك قولك: عجبت من ضرب زيدا " فمعناه أنه يضرب زيداً. وتقول: عجبت من ضرب زيداً " بكر ومن ضرب زيد عمراً إذا كان هو الفاعل كأنه قال: عجبت من أنه يضرب زيد عمراً ويضرب عمراً زيد. وإنما خالف هذا الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع في أن فيه فاعلاً ومفعولاً لأنك إذا قلت: هذا ضارب فقد جئت بالفاعل وذكرته وإذا قلت: عجبت من ضرب فإنك لم تذكر الفاعل فالمصدر ليس بالفاعل وإن كان فيه دليل على الفاعل " فلذلك احتجت فيه إلى فاعل ومفعول ولم تحتج حين قلت: هذا ضارب زيداً إلى فاعل ظاهر لأن المضمر في ضارب هو الفاعل ". فمما جاء من هذا قوله عز وجل: " أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً ذا مقربة ". وقال: فلولا رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد صاروا لنا كالموارد وقال: أخذت بسجلهم فنفحت فيه محافطة لهن إخا الذمام وقال: يضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل وإن شئت حذفت التنوين كما حذفت في الفاعل وكان المعنى على حاله إلا أنك تجر الذي يلي المصدر فاعلاً كان أو مفعولاً لأنه اسم قد كففت عنه التنوين كما فعلت ذلك بفاعل ويصير المجرور بدلاً من التنوين معاقباً له. وذلك قولك: عجبت من ضربه زيداً إن كان فاعلاً ومن ضربه زيد إن كان المضمر مفعولا. وتقول: عجبت من كسوة زيد أبوه وعجبت من كسوة زيد أباه إذا حذفت التنوين. ومما جاء لا ينون قول لبيد: عهدي بها الحي الجميع وفيهم قبل التفرق ميسر وندام ومنه قولهم: " سمع أذني زيداً يقول ذاك ". قال رؤبة: ورأي عيني الفتى أخاكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا وتقول: عجبت من ضرب زيد وعمرو إذا أشركت بينهما كما فعلت ذلك في الفاعل. ومن قال هذا ضارب زيد وعمراً قال: عجبت له من ضرب زيد وعمراً كأنه أضمر: ويضرب عمراً " أو وضرب عمراً ". قال رؤبة: قد كنت داينت بها حساناً مخافة الإفلاس والليانا وتقول: عجبت من الضرب زيداً كما قلت: عجبت من الضارب زيداً يكون الألف واللام بمنزلة التنوين. وقال الشاعر: ضعيف النكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل وقال المرار " الأسدي ": لقد علمت أولى المغيرة أنني لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا ومن قال: هذا الضارب الرجل لم يقل: عجبت له من الضرب الرجل لأن الضارب الرجل مشبه بالحسن الوجه لأنه وصف للاسم كما أن الحسن وصف وليس هو بحد الكلام مع ذلك. وقد ينبغي في قياس من قال: الضارب الرجل أن يقول: الضارب أخي الرجل كما يقول: الحسن الأخ والحسن وجه الأخ وكان الخليل يراه. وإن شئت قلت: هذا ضرب عبد الله كما تقول: هذا ضارب عبد الله فيما انقطع من الأفعال. وتقول: عجبت من ضرب اليوم زيداً كما قال: يا سارق الليل أهل الدار لله در اليوم من لامها لأنهم لم يجعلوه فعلاً أو فعل شيئاً في اليوم إنما هو بمنزلة: لله بلادك. ويجوز: عجبت له من ضرب أخيه يكون المصدر مضافاً فعل أو لم يفعل ويكون منوناً وليس بمنزلة ضارب. ولم تقوم أن تعمل عمل الفاعل لأنها ليست في معنى الفعل المضارع فإنما شبهت بالفاعل فيما عملت فيه. وما تعمل فيه معلوم إنما تعمل فيما كان من سببها معرفاً بالألف واللام أو نكرة لا تجاوز هذا لأنه ليس بفعل ولا اسم هو في معناه. والإضافة فيه أحسن وأكثر لأنه ليس كما جرى مجرى الفعل ولا في معناه فكان أحسن عندهم أن يتباعد منه في اللفظ كما أنه ليس مثله في المعنى وفي قوته في الأشياء. والتنوين عربي جيد. ومع هذا إنهم لو تركوا التنوين أو النون لم يكن أبداً إلا نكرة على حاله منوناً. فلما كان ترك التنوين فيه والنون لا يجاوز به معنى النون والتنوين كان تركهما أخف عليهم فهذا يقوي " أن " الإضافة " أحسن " مع التفسير الأول. فالمضاف قولك: هذا حسن الوجه وهذه حسنة الوجه. فالصفة تقع على الاسم الأول ثم توصلها إلى الوجه وإلى كل شيء من سببه على ما ذكرت لك كما تقول: هذا ضارب الرجل وهذه ضاربة الرجل إلا أن الحسن في المعنى للوجه والضرب ههنا للأول. ومن ذلك قولهم: هو أحمر بين العينين وهو جيد وجه الدار. ومما جاء منوناً قول زهير: أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم تنصب له الشبك وقال العجاج: محتبك ضخم شئون الرأس وقال أيضاً النابغة: ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام وهو في الشعر كثير. واعلم أن كينونة الألف واللام في الاسم الآخر أكثر وأحسن من أن لا تكون فيه الألف واللام لأن الأول في الألف واللام وفي غيرهما ههنا على حالة واحدة وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن وأكثر كما كان ترك التنوين أكثر وكان الألف واللام أولى لأن معناه حسن وجهه. فكما لا يكون هذا إلا معرفة اختاروا في ذلك المعرفة. والأخرى عربية كما أن التنوين " والنون " عربي مطرد. فمن ذلك قوله: " " هو " حديث عهد بالوجع ". وقال عمرو بن شأس: ألكنى إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلاً ولا سيئي زي إذا ما تلبسوا إلى حاجة يوماً مخيسة بزلا وقال حميد الأرقط: لاحق بطن بقراً سمين ومما جاء منوناً قول أبي زبيد " يصف الأسد ": كأن أثواب نقاد قدرن له يعلو بخملتها كهباء هدابا وقال أيضاً: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة محطوطة جدلت شنباء أنيابا وقال عيد بن زيد: من حبيب أو أخي ثقة أو عدو شاحط دارا وقد جاء في الشعر حسنة وجهها شبهوه بحسنة الوجه وذلك رديء " لأنه بالهاء معرفة كما أمن دمنتين عرس الركب فيهما بحقل الرخامى قد عفا طللاهما أقامت على ربعيهما جارتا صفا كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما واعلم أنه ليس في العربية مضاف يدخل عليه الألف واللام غير المضاف إلى المعرفة في هذا الباب وذلك قولك: هذا الحسن الوجه أدخلوا الألف واللام على حسن الوجه لأنه مضاف إلى معرفة لا يكون بها معرفة أبداً فاحتاج إلى ذلك حيث منع ما يكون في مثله البتة ولا يجاوز به معنى التنوين. فأما النكرة فلا يكون فيها إلا الحسن وجهاً تكون الألف واللام بدلاً من التنوين لأنك لو قلت: حديث عهد أو كريم أب لم تخلل بالأول في شيء فتحتمل له الألف واللام لأنه على ما ينبغي أن يكون عليه. قال رؤبة: الحزن باباً والعقور كلباً وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من العرب ينشدون هذا البيت للحارث ابن ظالم: فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعرى رقاباً فإنما أدخلت الألف واللام في الحسن ثم أعملته كما قال: الضارب زيداً. وعلى هذا الوجه تقول: هو الحسن الوجه وهي عربية جيدة. قال الشاعر: وقد يجوز في هذا أن تقول: هو الحسن الوجه على " قوله ": هو الضارب الرجل. فالجر في هذا الباب من وجهين: " من الباب الذي هو له وهو الإضافة ومن إعمال الفعل ثم يستخف فيضاف ". فإذا ثنيت أو جمعت فأثبت النون فليس إلا النصب وذلك قولهم: هم الطيبون الأخبار وهما الحسنان الوجه. ومن ذلك قوله تعالى: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ". وقالت خرنق " من بني قيس ": لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معترك والطيبون معاقد الأزر فإن كففت النون جررت كان المعمول فيه نكرة أو فيه ألف ولام كما قلت: هؤلاء الضاربو زيد وذلك قولهم: هم الطيبو أخبار. وإن شئت نصبت على قوله: الحافظو عورة العشيرة وتقول فيما لا يقع إلا منوناً عملاً في نكرة " وإنما وقع منوناً " لأنه فصل فيه بين العامل والمعمول فالفصل لازم له أبداً مظهراً أو مضمراً وذلك قولك: هو خير منك أباً و " هو " أحسن منك وجهاً. ولا يكون المعمول فيه إلا من سببه. وإن شئت قلت: هو خير عملاً وأنت تنوي " منك ". وإن شئت أخرت الفصل في اللفظ وأصله التقديم لأنه لا يمنعه تأخيره عمله مقدماً كما قال: ضرب زيد عمرو فعمرو مؤخر في اللفظ مبدوء به في المعنى وهذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين ثم يعمل. ولا يعمل إلا في نكرة كما أنه لا يكون إلا نكرة ولا يقوى قوة الصفة المشبهة فألزم فيه وفيما يعمل فيه وجهاً واحداً. ويعمل في الجمع كقولهم: هو خير منك أعمالاً. فإن أضفت فقلت: " هذا " أول رجل اجتمع فيه لزوم النكرة وأن يلفظ بواحد " وهو يريد الجمع " وذلك لأنه أراد أن يقول: أول الرجال فحذف استخفافاً واختصاراً كما قالوا: كل رجل يريدون كل الرجال. فكما استخفوا بحذف الألف واللام استخفوا بترك بناء الجميع واستغنوا عن الألف واللام وعن قولهم: خير الرجال وأول الرجال. ومثل ذلك في ترك الألف واللام وبناء الجميع قولهم: عشرون درهماً إنما أرادوا عشرين من الدراهم فاختصروا واستخفوا. ولم يكن دخول الألف واللام يغير العشرين عن نكرته فاستخفوا بتركما لم يحتج إليه. ولم تقو هذه الأحرف قوة الصفة المشبهة. ألا ترى أنك تؤنثها وتذكرها وتجمعها كالفاعل تقول: مررت برجل حسن الوجه أبوه " كما تقول: مررت برجل حسن أبوه وهو " مثل قولك: مررت برجل ضارب أبوه. فإن جئت بخير منك أو عشرين رفعت لأنها ملحقة بالأسماء " لا تعمل وتقول: هو خير رجل في الناس وأفره عبد في الناس لأن الفارة هو العبد ولم تلق أفره ولا خيراً على غيره ثم تختص شيئاً فالمعنى مختلف. وليس هنا فصل ولم يلزم إلا ترك التنوين كما أن عشرين وخيراً منك لم يلزم فيه إلا التنوين. ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوه في الأول وتفسيره تفسير الأول. وإنما أرادوا: أفره العبيد وخير الأعمال. وإنما أثبتوا الألف واللام في قولهم: أفضل الناس لأن الأول قد يصير به معرفة فأثبتوا الألف واللام وبناء الجميع ولم ينون وفرقوا بترك النون والتنوين بين معنيين. وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره مما قد تعدى إلى مفعول وذلك قولك: امتلأت ماء وتفقأت شحماً ولا تقول: امتلأته ولا تفقأته. ولا يعمل في غيره من المعارف ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت كما لا يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل. وذلك لأنه فعل لا يتعدى إلى مفعول وإنما هو بمنزلة الانفعال لا يتعدى إلى مفعول نحو كسرته فانكسر ودفعته فاندفع. فهذا النحو إنما يكون في نفسه ولا يقع على شيء فصار امتلأت من هذا الضرب كأنك قلت: ملأني فامتلأت. ومثله: دحرجته فتدحرج. وإنما أصله امتلأت من الماء وتفقأت من الشحم فحذف هذا استخفافاً وكان الفعل أجدر أن يتعدى إن كان هذا ينفذ وهو - في أنهم ضعفوه - مثله. وتقول: هو أشجع الناس رجلاً وهما خير الناس اثنين. فالمجرور هنا بمنزلة التنوين وانتصب الرجل والاثنان كما انتصب الوجه في قولك: هو أحسن منه وجهاً. ولا يكون إلا نكرة. والرجل هو الاسم المبتدأ والاثنان كذلك. إنما معناه هو خير رجل في الناس وهما خير اثنين في الناس. وأن شئت لم تجعله الأول. فتقول: هو أكثر الناس مالاً. ومما أجرى هذا المجرى أسماء العدد: تقول فيما كان لأدنى العدة بالإضافة إلى ما يبنى لجمع أدنى العدد إلى أدنى العقود وتدخل في المضاف إليه الألف واللام لأنه يكون الأول به معرفة. وذلك قولك: ثلاثة أبواب وأربعة أنفس وأربعة أثواب. وكذلك تقول: فيما بينك وبين العشرة وإذا أدخلت الألف واللام قلت: خمسة الأثواب وستة الجمال. فلا يكون هذا أبداً إلا غير منون يلزمه أمر واحد لما ذكرت لك. فإذا زدت على العشرة شيئاً من أسماء أدنى العدد فإنه يجعل مع الأول اسماً واحداً استخفافاً ويكون في موضع " اسم " منون. وذلك قولك: أحد عشر درهماً واثنا عشر درهماً وإحدى عشر جارية. فعلى هذا يجرى من الواحد إلى التسعة. فإذا ضاعفت أدنى العقود كان له اسم من لفظه ولا يثنى العقد. ويجرى ذلك الاسم مجرى الواحد الذي لحقته الزيادة للجمع كما لحقته الزيادة للتثنية ويكون حرف الإعراب الواو والياء وبعدهما النون وذلك قولك: عشرون درهماً. فإن أردت أن تثلث أدنى العقود كان له اسم من لفظ الثلاثة يجرى مجرى الاسم الذي كان للتثنية وذلك قولك: ثلاثون عبداً. وكذلك إلى أن تتسعه وتكون النون لازمة له كما كان ترك التنوين لازماً للثلاثة إلى العشرة. وإنما فعلوا هذا بهذه الأسماء وألزموها وجهاً واحداً لأنها ليست كالصفة في معنى الفعل ولا التي شبهت بها فلم تقوى تلك القوة ولم يجز حين جاوزت أدنى العقود فيما تبين به من أي صنف العدد إلا أن يكون لفظه واحداً ولا تكون فيه الألف واللام لما ذكرت لك. وكذلك هو إلى التسعين فيما يعمل فيه ويبين به من أي صنف العدد. فإذا بلغت العدد " الذي يليه " تركت التنوين والنون وأضفت وجعلت الذي يعمل فيه ويبين به العدد من أي صنف هو واحداً كما فعلت فيما نونت فيه إلا أنك تدخل فيه الألف واللام لأن الأول يكون به معرفة ولا يكون المنون به معرفة. وذلك قولك: مائة درهم ومائة الدرهم. وذلك إن ضاعفته قلت: مائتا درهم ومائتا الدينار. وكذلك العقد الذي بعده واحداً كان أو مثنى وذلك قولك: ألف درهم وألفا درهم. وقد جاء في الشعر بعض هذا منوناً. قال الربيع بن ضبع الفزاري: عاش الفتى مائتين عاماً فقد أودى المسرة والفناء وقال: وأما ثلثمائة إلى تسعمائة فكان ينبغي أن تكون في القياس مئين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحداً لأنه اسم لعدد كما أن عشرين اسم لعدد. وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحداً والمعنى جميع حتى قال بعضهم في الشعر " من ذلك " مالا يستعمل في الكلام. وقال علقمة بن عبدة: بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب وقال: لا تنكروا القتل وقد سبينا في حلقكم عظم وقد شجينا فاختص " التثليث " بهذا الباب إلى تسعمائة. كما أن لدن في غدوة حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في لغة من قال: لد. وذلك قولك: " من " لدن غدوة. وقال بعضهم: لداً غدوة كأنه أسكن الدال ثم فتحها كما قال: اضرب زيداً ففتح الباء لما جاء بالنون الخفيفة. والجر في غدوة هو الوجه والقياس. وتكون النون في نفس الحرف بمنزلة نون من وعن فقد يشذ الشيء من كلامهم عن نظائره ويستخفون الشيء في موضع " و " لا يستخفونه في غيره. وذلك قولهم: ماشعرت به شعرة وليت شعري. ويقولون: العمر والعمر لا يقولون في اليمين إلا بالفتح يقولون كلهم: لعمرك. وسترى أشباه هذا ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع: كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص ومثل ذلك " في الكلام " قوله تبارك وتعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً " وقررنا به عيناً وإن شئت قلت: أعيناً وأنفساً كما قلت: ثلثمائة وثلاث مئين ومئات ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في امتلأت ماءً. فمن ذلك أن تقول على قول السائل: كم صيد عليه وكم غير ظرف لما ذكرت لك من الاتساع والإيجاز فتقول: صيد عليه يومان. وإنما المعنى صيد عليه الوحش في يومين ولكنه اتسع واختصر. ولذلك أيضاً وضع السائل كم غير ظرف. ومن ذلك أن تقول: كم ولد له فيقول: ستون عاماً. فالمعنى ولد له الأولاد ولد له الولد ستين عاماً ولكنه اتسع وأوجز. ومن ذلك أن تقول: كم سير عليه وكم غير ظرف فيقول: يوم الجمعة ويومان. فكم هاهنا بمنزلة قوله: ما صيد عليه وما ولد له من الدهر والأيام فليس كم ظرفاً كما أن " ما " ليس بظرف. ومن ذلك أن يقول: كم ضرب به فنقول: ضرب به ضربتان وضرب به ضرب كثير. ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى جده: " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " إنما يريد: أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية كم كان عاملاً في الأهل لو كان هاهنا. ومثله: " بل مكر الليل والنهار " وإنما المعنى: بل مكر كم في الليل والنهار. وقال عز وجل: " ولكن البر من آمن بالله " وإنما هو: ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر. ومثله في الاتساع " قوله عز وجل ": " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً " وإنما شبهوا بالمنعوق به. وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى. ومثل ذلك " من كلامهم ": بنو فلان يطؤهم الطريق يريد: يطؤهم أهل الطريق. وقالوا: صدنا قنوين وإنما يريد صدنا بقنوين أو صدنا وحش قنوين وإنما قنوان اسم أرض. ومثله في السعة: أنت أكرم على من أضربك وأنت أنكد من أن تتركه. إنما يريد: أنت أكرم على من صاحب الضرب وأنت أنكد من صاحب تركه لأن قولك: أن أضربك وأن تتركه هو الضرب والترك لأن أن اسم وتتركه " وأضربك " من صلته كما تقول: يسوءني أن أضربك أي يسوءني ضربك وليس يريد: أنت أكرم على من الضرب ولكن أكرم على من صاحب الضرب. وقال الجعدي: كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار العذير: الصوت. ومن ذلك قول عامر بن الطفيل: فلأبغينكم قناً وعوارضاً ولأقبلن الخيل لابة ضرغد إنما يريد: عذير نعام. وقناً وعوارض يريد بقناً وعوارض ولكنه حذف وأوصل الفعل. " ومن ذلك قول ساعدة: لدن بهز الكفيعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب يريد: في الطريق ". ومن ذلك قولهم: أكلت أرض كذا وكذا وأكلت بلدة كذا وكذا إنما أراد أصاب من خيرها وأكل من ذلك وشرب. وهذا الكلام كثير منه ما مضى وهو أكثر من أحصيه. ومنه ما ومنه قولهم: " هذه الظهر أو العصر أو المغرب " إنما يريد صلاة هذا الوقت. و " اجتمع القيظ " يريد: اجتمع الناس في القيظ. وقال الحطيئة: وشر المنايا ميت بين أهله كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره يريد: منية ميت. وقال النابغة الجعدي: وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب يريد: كخلالة أبي مرحب. فمن ذلك قولك: متى يسار عليه وهو يجعله ظرفاً. فيقول: اليوم أو غداً أو بعد غد أو يوم الجمعة. وتقول: متى سير عليه فيقول: أمس أو أول من أمس فيكون ظرفاً على أنه كان السير في ساعة دون سائر ساعات اليوم أو حين دون سائر أحيان اليوم. ويكون أيضاً على أنه يكون السير في اليوم كله لأنك قد تقول: سير عليه في اليوم ويسار عليه في يوم الجمعة والسير وقد تقول: سير عليه اليوم فترفع وأنت تعني في بعضه كما تقول في سعة الكلام: الليلة الهلال وإنما الهلال في بعض الليلة وإنما أراد الليلة ليلة الهلال ولكنه اتسع وأوجز. وكذلك أيضاً هذا كله " كأنه قال: سير عليه سير اليوم. والرفع في جميع هذا عربي كثير في جميع لغات العرب على ما ذكرت لك من سعة الكلام والإيجاز يكون على كم غير ظرف وعلى متى غير ظرف ". كأنه قال: أي الأحيان سير عليه أو يسار عليه. ومما لا يكون العمل فيه من الظروف إلا متصلاً في الظرف كله قولك: سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد. وهذا جواب لقوله: كم سير عليه إذا جعله ظرفاً لأنه يريد: في كم سير عليه. فتقول مجيباً له: الليل ولنهار " والدهر " والأبد علة معنى في الليل والنهار وفي الأبد. ويدلك على أنه لا يكون أن يجعل العمل فيه في يوم دون الأيام وفي ساعة دون الساعات أنك لا تقول: لقيته الدهر " والأبد وأنت تريد يوماً منه ولا لقيته الليل وأنت تريد لقاءهفي ساعة دون الساعات وكذلك النهار إلا أن تريد سير عليه الدهر أجمع والليل " كله على التكثير. وإن لم تجعله ظرفاً فهو عربي كثير في كلامهم. وإنما جاء هذا على جواب كم لأنه جعله على عدة الأيام والليالي فجرى على جواب ما هو للعدد كأنه قال: سير عليه عدة الأيام أو عدة الليالي. ومن ذلك " مما يكون متصلاً " قولك: سير عليه يومين " أو ثلاثة أيام لأنه عدد. ألا ترى أنه لا يجوز أن تجعله ظرفاً وتجعل اللقاء في أحدهما دون الآخر. ولو قلت: سير عليه المؤمنين " وأنت تعني أن السير كان في أحدهما ولم يجز. هذا على أن تجعل كم ظرفاً وغير ظرف. وأما متى فإنما تريد " بها " أن يوقت لك وقتاً ولا تريد بها عدداً فإنما الجواب " فيه ": اليوم أو يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا أو الآن أو حينئذ وأشباه هذا. ومما أجرى مجرى " الأبد " والدهر والليل والنهار: المحرم وصفر " وجمادى " وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة لأنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام كأنهم قالوا: سير عليه الثلاثون يوماً. ولو قلت: شهر رمضان أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة والبارحة والليلة ولصار جواب متى. وجميع ما ذكرت لك مما يكون على متى يكون مجرى على كم ظرفاً وغير ظرف. وبعض ما يكون في كم لا يكون في متى نحو الليل " والنهار " والدهر لأن كم " هو " الأول فجعل الآخر تبعاً له. ولا يكون الدهر والليل والنهار إلا على العدة جواباً لكم. وتقول: سير عليه الليل تعني ليل ليلتك وتجري على الأصل. كما تقول في الدهر: سير عليه الدهر وإنما تعني بعض الدهر ولكنه يكثر. كما يقول الرجل: جاءني أهل الدنيا وعسى أن لا وكذلك شهرا ربيع حين ثنيت جاء على العدد عندهم لا يجوز أن تقول: يضرب شهري ربيع وأنت تريد في أحدهما كما لا يجوز لك في اليومين وأشباههما. فليس لك في هذه الأشياء إلا أن تجريها على ما أجروها ولا يجوز لك أن تريد بالحرف إلا ما أرادوا. وتقول: ذهبت الشتاء ويضرب الشتاء. وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: انطلقت الصيف أجروه على جواب متى لأنه أراد أن يقول في ذلك الوقت ولم يرد العدد وجواب كم. وقال ابن الرقاع: فقصرن الشتاء بعد عليه وهو للذود أن يقسمن جار فهذا يكون على متى ويكون على كم ظرفين وغير ظرفين. واعلم أن الظروف من الأماكن مثل الظروف من الليالي والأيام في الاختصار وسعة الكلام. فمن ذلك أن يقول: كم سير عليه من الأرض فتقول: فرسخان أو ميلان أو بريدان كما قالت: يومان. وكذلك لو قال: كم صيد عليه من الأرض يجري " على " هذا المجرى. وإن شئت نصبت وجعلت كم ظرفاً كما فعلت ذلك في اليومين " فلا يكون ظرفاً وغير ظرف إلا على كم لأنه عدد كما كان ذلك في اليومين ". ونظير متى من الأماكن: " أين ". ولا يكون أين إلا للأماكن كما لا يكون متى إلا للأيام والليالي. فإن قلت: أين سير عليه قال: سير عليه مكان كذا وكذا وسير عليه المكان الذي تعلم فهو بمنزلة قوله: يوم كذا وكذا واليوم الذي تعلم. فأجر " كم " في الأماكن مجراها في الأيام والليالي وأجر أين في الأماكن مجرى متى في الأيام. ويقال: أين سير عليه فتقول: خلف دارك وفوق دارك. فإن لم تجعله ظرفاً وجعلته على سعة الكلام رفعته على " أن " كم غير ظرف وعلى " أن " أين غير ظرف كما فعلت ذلك في متى. وتقول سير عليه ليل طويل وسير عليه نهار طويل وإن لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إلا أن الصفة تبين بها معنى الرفع وتوضحه وإن شئت نصبت على نصب الليل والنهار ورمضان. وتقول: سير عليه يوم فترفعه على حد قولك: يومان " وتنصبه عليه ". وإن شئت قلت: سير عليه يوم أتانا فيه فلان كأنه قال: متى سير عليه فيقول: يوماً كنت فيه عندنا. فهذا يحسن فيه على متى ويصير بمنزلة يوم كذا وكذا لأنك قد وقته وعرفته بشيء. وتقول: سير عليه غدوة يا فتى وبكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا. والنصب فيه على ذلك لأنك قد تجريه وإن لم يتصرف مجرى يوم الجمعة تقول: موعدك غدوة أو بكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا والنصب فيه على ذلك. وتقول: ما لقيته مذ غدوة أو بكرة وكذلك: غداة أمس وصباح يوم الجمعة والعشية وعشية يوم الجمعة ومساء ليلة الجمعة. وتقول: سير عليه حينئذ ويومئذ والنصب على ما ذكرت لك. وكذلك: نصف النهار لأنك قد تقول في هذا: بعد نصف النهار وموعدك نصف النهار. وكذلك سواء النهار لأنك تقول: هذا سواء النهار إذا أردت وسطه كما تقول: هذا نصف النهار. وأما سراة اليوم فبمنزلة أول اليوم. وتقول: سير عليه ضحوة من الضحوات إذا لم تعن ضحوة يومك لأنها بمنزلة قولك: ساعة من الساعات. وكذلك قولك: سير عليه عتمة من الليل لأنك تقول: أتانا بعد ما ذهبت عتمة من الليل. وتقول: قد مضى لذلك ضحوة وضحوةً والنصب فيه وجهه على ما مضى. وتقول في الأماكن: سير عليه ذات اليمين وذات الشمال لأنك تقول: داره ذات اليمين وذات الشمال. والنصب على ما ذكرت لك. وتقول: سير عليه أيمن وأشمل وسير عليه اليمين والشمال لأنه يتمكن. تقول: على اليمين وعلى الشمال ودارك اليمين ودارك الشمال. وقال أبو النجم: وإن شئت جعلته ظرفاً كما قال عمرو بن كلثوم: وكان الكأس مجراها اليمينا ومثل ذات اليمين وذات الشمال: شرقي الدار وغربي الدار تجعله ظرفاً وغير ظرف. قال جرير: هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقال بعضهم: داره شرقي المسجد. ومثل: مجراها اليمينا. قوله: البقول يمينها وشمالها.
|